free counters

الاثنين، 15 أبريل 2019

حوار مع الكاتب والشاعر الكبير حسن توفيق/ أجرى الحوار / ثريا نافع

http://atida.org/index.php?option=com_content&view=article&id=63:2013-03-27-15-02-58&catid=20:hewaratcat&Itemid=188 


حوار مع الكاتب والشاعر الكبير حسن توفيق





حسن توفيق.. عاشقٌ دائم السؤال.. حائر بين جمال وجمال.. يسأل الناس بشوق عن بلاده التي تسكنه وهي بعيدة..

عندما نتحدث عن الشاعر حسن توفيق ينبغي أن ننظر إلى أثره الإبداعي الذي تجاوز أكثر من فن وإن يكن قد صنف شاعراً .. أقبل على الكتابة في كل اتجاه بغزارة لفتت الانتباه وتابعه القراء على كل المستويات سواء أكانت كتابات نقدية أم تحليلية أم أدبية ثقافية أم إبداعات شعرية.. فهو عاشق لا يمل التجديد والتغيير.. يجوب الآفاق ويأبى النزول والاطمئنان.. تأسره الكلمة الأنيقة وتطربه الألحان بكل إيقاعاتها الشجية ويهتز لإيقاع البيان فيملك عليه كل زمام.. تسري في أشعاره فيضانات من الأحاسيس الرهيفة الدافئة والرؤى المتوهجة، تمجد الإنسان وتدعو إلى قضاياه العادلة.. وتتألق في قصائده البهجة كما يسكنها الحزن أيضاً.. وهو خير من وظف إبداعاته الشعرية والأدبية في كل ما يفيد واستحق نتاجه البحث والتحليل..

 

على المستوي الإنساني روحه مرحة وسخريته لاذعة وأسلوبه خفيف رشيق .. كما يتميز بإخلاصه للصداقة .. وهو حفيّ بأصدقائه وزملائه من الكتاب والصحفيين شديد العناية بالسؤال عن أحوالهم.. تعشعش في قلبه طفولة مشاكسة لا تنصاع إلا إلى نقائها وصفائها.

 

فلنتركه الآن يشرع في الإجابة على أسئلة "عتيدة" التي أمطرناه بها .. فماذا سيقول في البداية؟ وهل سنستطيع استدراجه للإجابة حتى النهاية؟.. ترى ماذا سيقول؟!

 

 

*1* هارولد بينتر الحائز على جائزة نوبل للآداب، مارس فعلا راقيا  في ثقافة المقاومة الكونية ضد إمبراطوريات الإعلام المعاصر التي استطاعت أن تنشر يوميا ثقافة العنف عن طريق الصورة التي حولت حياتنا إلى عبثية مرعبة، فهل يحق للشاعر أن يصدم قارئه ويهزه بعنف ليستيقظ من خدره  بقصائد تتحدى بلغتها وثقافتها مفاهيم مغلوطة مثلما فعل بينتر في قصيدته الرائعة "كرة القدم الأمريكية"؟؟

 

ـ ليس هارولد بنتر هو وحده الذي يقاوم ما تسمى بإمبراطوريات الإعلام فهناك كثيرون من العرب والأجانب قد وقفوا في وجهها ولكنهم اشتهروا بهذه المقاومة بعد أن ركز الإعلام نفسه على هجومه على الاحتلال الأمريكي للعراق ومن قبله لأفغانستان. هذا ما نسميه فضح الواقع السياسي وقد قام بهذا الفضح شعراء عرب من أمثال "مظفر النواب ونزار قباني ومحمود درويش وأمل دنقل وسواهم"، ولكن علينا هنا وباستمرار ألا نضع هؤلاء جميعا في سلة واحدة فكل منهم يقاوم بطريقته الخاصة، فمنهم من يميلون إلى إثارة مشاعر الجماهير المتلقية بصورة سريعة ومنهم من يهتم بفنه الشعري أولا حتى وإن كان الجمهور الذي سيصل إليه في هذه الحالة لم يكن جمهورا كبيرا. وعلى ذكر المقاومة هناك مقاومة عالمية للهيمنة الأمريكية على العالم ولكن لكل مقاومة طريقتها الخاصة على ضوء ظروفها وإمكانياتها وعلى سبيل المثال فإن هناك فارقا بين المقاومتين الفيتنامية والعراقية للاحتلال الأمريكي ولكن علينا أن نتذكر أن المقاومة الفيتنامية للاحتلال الأمريكي كانت تحت راية واحدة موحدة بقيادة الزعيم "هوشي منه" وبالقيادة العسكرية للجنرال الفيتنامي الساحر الذي دوخ الأمريكان في حروب العصابات "جياب".  وأما إذا نظرنا إلى المقاومة العراقية فإننا نجد أن العراق وهو يواجه الاحتلال الأمريكي ليس واحدا ولا موحدا فهناك طوائف مختلفة ومذاهب في الدين الواحد ولكنها متناحرة وهناك أناس جاؤوا خصيصا من خارج العراق لأغراض عقائدية خاصة بهم وهناك المقاومة العراقية الخالصة النبيلة والشجاعة.

 

هذا الذي نطبقه على مقاومتين سياسيتين نستطيع أن نطبقه على الفن المقاوم بصفة عامة والشعر بصفة خاصة ولهذا لا نستطيع القول إن كل الشعراء موحدون في رؤيتهم للمقاومة.

 

 

*2* وسط الدعوات الصارخة بالحداثة والتجريب الشعري بدءا بالسياب ونازك والبياتي ومرورا بما يسمى الشعر الستيني وحتى الآن كيف نبرر لعودة القصيدة العمودية منذ التسعينيات وحتى الآن مع محاولات حثيثة من بعض الشعراء الاندماج في قصائدهم بالشأن الثقافي والحوار مع الآخر؟؟

 

ـ لم تبدأ الدعوات الصارخة أو الهادئة للتجديد الشعري من بدايات الشعر الحر على أيدي بدر شاكر ونازك الملائكة وإنما بدأت من مصر في العشرينيات من القرن العشرين الغارب وقد تحدثت عن هذا بالتفصيل في فصل كامل من كتابي "شعر بدر شاكر السياب ـ دراسة فنية وفكرية" حيث ذكرت على سبيل المثال أن هناك قصيدة من الشعر الحر قد كتبها الشاعر الدكتور أحمد زكي أبو شادي عام 1926 وهى السنة التي ولد فيها كل من السياب والبياتي بينما كان عمر نازك الملائكة وقتها ثلاث سنوات وبعد هذه المحاولة ترجم الراحل الكبير علي أحمد باكثير مسرحية" روميو وجولييت لشكسبير "وجعلها ترجمة بالشعر الحر، وهناك ديوان للدكتور لويس عوض بعنوان "بلوتو لاند" فيه  قصائد عديدة من الشعر الحر، وأما مقدمته الطويلة فهي بعنوان "حطموا عامود الشعر" وقد صدر هذا الديوان عن مطبعة الفجالة بالقاهرة وهى نفس المطبعة التي طبع فيها ديوان " أزهار ذابلة" لبدر شاكر السياب بعد عدة شهور من نفس السنة .. ما أود أن أقوله هو أنه كانت هناك إرهاصات ومقدمات لحركة الشعر الحر ولكنها لم تتحول إلى حركة ملموسة يحاربها من يحاربها ويناصرها من يناصرها إلا على أيدي شعراء العراق وهنا نذكر قصيدة "هل كان حبا" للسياب وقد كتبها عام 1946 وقصيدة "الكوليرا"  لنازك الملائكة كتبتها في أوائل سنة 1947 ثم أخذ عود حركة الشعر الحر ينمو ويخضر على أيدي كثيرين من الشعراء العرب منهم خليل حاوي في لبنان ونزار قباني وأدونيس في سوريا وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور في مصر وبعد هؤلاء الشعراء الكبار جاء الجيل التالي وهو الجيل الذي اقترنت إبداعاته بنكسة يونيو/حزيران 1967 ومن أشهر علاماتها قصيدة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" لأمل دنقل، وخلال هاتين المرحلتين لم ينقرض الشعر العمودي فقد كان هناك مثلا محمد مهدي الجواهري وعزيز أباظة وأحمد رامي وصالح جودت وعمر أبو ريشه وهذا يؤكد ما أقوله دائما من أن أية حركة أدبية جديدة لا تستطيع أن تلغي ما سبقها تماما .. وأنا ضد أن هناك محاولات حثيثة من بعض الشعراء الذين جاؤوا بعد ذلك بسنوات عديدة للاندماج في قصائدهم بالشأن الثقافي والحوار مع الآخر فالحقيقة أني أرى العكس تماما فهؤلاء أغرقوا كتاباتهم التي يسمونها قصيدة النثر في رمزية منغلقة لا يمكن لأكبر النقاد أن يتجاوب معها، فما بالنا بقراء الشعر العاديين. إن هؤلاء قد أبعدوا القصيدة العربية تماما عن الشأن الثقافي والحوار مع الآخر ومنهم من يكاد يترجم قصائد أجنبية وينثرها في كتاباته متصورا أن هذا يحقق له الوصول إلى العالمية ..

 

 

*3*  كما ذكرتم في مقدمة مقامات المجنون، فقد ولدتم منذ ستمائة سنة وفقاً للتقويم الخاص بـ "مجنون العرب" فمتى ولد هو وفقاً لتقويمه الخاص ووفقاً لتقويمنا العام؟

 

ـ إن مقدمة الكتاب الأول "مجنون العرب بين رعد الغضب وليالي الطرب" مؤرخة بتاريخ ١٣/٨/٣٠٠٢ أي عندما بلغت الستين من عمري وفقاً لتقويم العقلاء والذي يعادل ستمائة سنة وفقاً لتقويم المجنون، وهذا يعني أني قد ولدت قبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية بسنتين، وقبل أن تحل "نكبة فلسطين سنة 1984" بخمس سنوات. .. وما أعرفه أن مجنون العرب قد أكد لي بدل المرة مرات أنه لم يولد في زمان معين أو في مكان محدد، فهو موجود في كل زمان ومكان، لكنه لا يتجلى ولا يظهر إلا إذا سادت الفوضى ولم يعد هناك "منطق عام" حيث يحاول الأقوياء أن يفرضوا على الضعفاء منطقهم الخاص، منطق القوة، لا منطق العقل، وهذا يلغي تماماً حكاية أن يكون هناك إقناع واقتناع، كما يلغي مقولة أمير الشعراء أحمد بك شوقي "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" فالأقوياء لا يسمحون لأحد بأن يختلف مع آرائهم، ولا يهمهم أبداً أن يكون هناك ود أو أن يكون هذا الود قد فسد!

 

أما فيما يتعلق بتاريخ علاقتي مع المجنون، وليس بتاريخ ميلاده، فإن هذه العلاقة قد بدأت منذ أن تهيأت الإدارة الأمريكية لغزو العراق بحجة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل .. كثيرون من الناس الخائفين، ومعظمهم من الرسميين خافوا من عواقب ما قد يحدث على مصائرهم هم، وهكذا انحازوا -كرهاً أو طوعاً- للإدارة الأمريكية التي اخترعت على الفور حكاية "قوات التحالف" بينما الحقيقة تشير إلى أنها قد جَرَّت هؤلاء الخائفين وراءها دون أن تسمح لهم بأي اعتراض "لأن من ليس معنا فهو ضدنا"!

 

من ناحيتي فإني كتبت وقتها عن الفارق الكبير بين "قوة المنطق" و"منطق القوة" وفي تلك المرحلة تجلى لي المجنون وظهر ليساندني ويشد على يدي، بعد أن تأكد من صدق ما كتبته رغم أنه كان ضد الجو العام السائد.

 

 

*4* واجه المبدعون عموما والشعراء خصوصا سؤالا مقلقا في مواجهة فساد الواقع وانحدار الإنسان في سلوكه وثقافته عندما تصبح اللغة في لحظة ما غير قادرة على التواصل مع الآخرين، فهل يمكن قراءة فعل الشعراء وكأنه بلاغة فقط وتعبير خارج اللغة وبعيدا عن اللحظة؟؟

 

ـ هذا سؤال مهم ، لكن فيه قدرا من التعميم، وهذا ما يفرض على الإجابة عليه أن تكون عامة كذلك .. على سبيل المثال: عن أي واقع يواجه الشعراء ما فيه من فساد؟ .. أهو واقع محلي أم قومي أم عالمي؟؟ لكل فساد في واقع مظاهره وصوره المختلفة، ولكن هنا اعتقد بصحة المقولة التي ترى أن المقاتل الذي يريد حقا أن ينتصر هو الذي يحارب في جبهة واحدة وليس عدة جبهات، ولأنه إذا انتصر في جبهة فهو لا محالة مهزوم في سواها !.. ثانيا عن أي إنسان نتحدث واصفين سلوكه وثقافته بأنهما في حالة انحدار؟

 

وهل الانحدار ينطبق على جميع الناس في كل المجتمعات والدول أم أن هناك انحدارا في مجتمعات ودول، وكذلك فإن هناك ازدهارا في مجتمعات ودول سواها؟! وكذلك الحال بالنسبة للشعراء فهم ليسوا فريقا واحدا متجانسا مثل فرق كرة القدم مثلا، ولكنهم يختلفون ويتفاوتون، ولهذا لا بد أن يختلف كل منهم في مواجهة فساد الواقع وانحدار الإنسان في سلوكه وثقافته وفقا لما ورد في هذا السؤال المهم من ناحية والعام من ناحية أخرى ..

 

 

*5* ما هو الحد الفاصل بين شخصية  المجنون  وشخصيتك ؟؟

 

ـ  ربما سأعيد ما سبق أن قلت في مناسبة لا أتذكرها بوضوح .. سأقول: "المجنون ليس أنا .. هذا ما أريد أن أوضحه حتى لا تختلط الأمور، لكن هذا التوضيح الحاسم لا يعني أني أتبرأ من مجنون العرب، فأنا أعترف -دون أن يتم تعذيبي جسدياً- بأن لي صلة حميمة به، فهو صديق صادق قديم، لدرجة أني لا أستطيع أن أصبر على فراقه ولو لبعض الوقت، كما أنه لا يحس بنعمة الأمان إلا إذا كان قريباً مني، بل إننا -بكل صراحة- ننام على سرير واحد .. هذا إذا نمنا .. لأننا ممن يعشقون السهر، ويغتالون النوم في الليل، إلى أن يعلن الفجر -بإشراقته- أنه قد تجلى وظهر، وأعترف أيضاً بأني أحس بالوحشة والخوف حين يبتعد عني مجنون العرب لكي يتركني وحدي مع العقلاء، ولكي يقوم وحده برحلات غريبة ومغامرات لا يصدقها أحد، لكنه يزعم أنها رحلات ومغامرات حقيقية، بينما أراها أنا مجرد شطحات وهمية ولكن لأن الحب بيننا ليس من طرف واحد، فإنه يشعر هو الآخر بالوحشة والخوف، حين أبتعد عنه ..".

 

 

*6* هل لنا أن نسأل عن هواجس الاختلاف والضدية والإصلاح التي أصبحت تشكل عبئا على البناء العام للقصيدة في ثقافتنا العربية المعاصرة والتي تضع شرط الحرية جوهرا لها وخاصة بعد انتشار التمرد والاحتجاج ضد كل ما هو تقليدي وواقعي؟؟

 

ـ بالتأكيد أن هناك هواجس فيما يتعلق بالاختلاف والضدية والإصلاح ولكنها لا تشكل عبئا على البناء العام للقصيدة عند الشعراء المتمكنين والراسخين أيا كانت اتجاهاتهم، أما العبء فإنه يتجلى عند أنصاف الشعراء والمتشاعرين ..

 


*7* كما نرى لقد بدأ الكثير من الأدباء والشعراء يقتنعون بفعل الترجمة كمشروع فكري وحضاري إيمانا من الكل بما تأتي به الترجمة من إضافة معرفية وثقافية تعود بالفائدة على كل الآداب وتمنحها بعدا تواصليا مطلوبا.  أين الأستاذ حسن توفيق من الترجمة وهل ترجمت أعمالك كلها أم أن "مجنون العرب يعد التجربة الأولى؟؟

 

ــ أنت تتحدثين عن الأدب العربي الذي نعايشه الآن ولكن لو نظرنا تاريخيا فإننا نجد أن الاهتمام بالترجمة كان قائما وفعالا ابتداء من عصر الخلافة العباسية أيام المأمون، وتظل الترجمة جسرا وطيدا عند أية أمة وأي شعب عندما تكون هناك نهضة حقيقية واثقة كافية بالنفس؛ أما حين تنكفئ الأفكار وينغلق الناس فإنهم يخافون حتى من ضوء الشمس ولا يريدون أن يتعرفوا على أي شئ خارج آفاقهم الضيقة ولهذا فإن عصر النهضة الحديثة ابتداء من الرواد العمالقة أمثال رفاعة رافع الطهطاوي وطه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم لم يخش شيئا فاندفع بكل حماسة وحيوية ومحاولة للتعرف على أوروبا وما حققته من خلال المعايشة الشخصية من ناحية ومن خلال الترجمة من ناحية أخرى ويكفي أن الطهطاوي -مثلا- قد ترجم كل القوانين الفرنسية إلى اللغة العربية والتي تتضمن المبادئ التي كانت شعارا للثورة الفرنسية من عدالة وإخاء ومساواة، كما أن طه حسين ترجم بنفسه روائع الأدب الإغريقي وهو الذي سعى لإنشاء قسم خاص بالدراسات الكلاسيكية ـالإغريقية والرومانية. ومما يدل على عظمة هذا الرجل ومدى اتساع تفكيره وأفقه فإنه لم يكتف بالتعرف على الآداب الأوروبية القديمة والحديثة وإنما شجع على ترجمة الآداب الشرقية وقد كتب مقدمة رائعة للترجمة العربية لديوان "حافظ الشيرازي" في فبراير 1944 وهذا يؤكد ما أقوله عنه بل إن طه حسين هو بنفسه أول من عرف القارئ العربي "بفرانز كافكا" وترجم إحدى قصصه القصيرة والتي نشرت في مجلة الكاتب المصري التي كان يرأس تحريرها عام 1948 على ما اعتقد معنى هذا أن الاهتمام بالترجمة الآن هو امتداد لما سبق وليس بداية جديدة. ويكفي هنا أن نذكر مشروع ترجمة الألف كتاب ونفس هذا المشروع الذي قام به المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور جابر عصفور وقد تجاوز هذا المشروع الآن اكثر من ألف ومائتي كتاب؛ والمجلس لا يكتفي بالترجمة عن اللغات المشهورة التي نعرفها وإنما انطلق إلى لغات لا نكاد نعرف عنها شيئا ..

 

بعد كل هذا أشير إلى شخصي فأقول إني مهتم جدا بترجمة أعمال كثيرة من إبداعاتي الشعرية والنثرية على حد سواء ولكني في الحقيقة لا أحب أن أعرض نفسي على الآخرين فكل ما ترجم لي هو بمبادرات شخصية أقدرها واعتز بها من جانب الذين قاموا بترجمتها، وينطبق هذا على قصائدي التي ترجمت كما ينطبق على ترجمة كتاب "ليلة القبض على مجنون العرب".

 

 

*8* تشكل الترجمة إحدى الضرورات الأساسية التي تسمح بربط جسور التعايش بين الثقافات والشعوب ودعم روح التواصل بين الأجيال، على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والحضارية. كما تساهم الترجمة في خلق حوار إنساني شامل يقوم على معرفة الآخر، عبر تبادل الرأي والخبرة والأفكار ... غير أنه، مع هذه الأهمية التي تكتسبها الترجمة كفعل ثقافي، تنتصب أمام المتلقي أسئلة عديدة تطرح نفسها بقوة لعل من أبرزها وأكثرها إلحاحا ما يرتبط بمدى مصداقية هذه الترجمة في نقل المعنى الحرفي أو الحقيقي للنص الأصلي، من جهة، وما يندرج تحت إشكال وأشكال تفاعل المترجم مع النص المترجم، من جهة ثانية؛ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بنص إبداعي يستند إلى مقومات جمالية وفنية. في رأيك كيف نحدد صلاحية النص المترجم؟؟

 

ـ لا أريد أن أقحم نفسي في مجال عمل المترجمين ولكني أقول وهم يعرفون أن ترجمة النصوص الأدبية وبالذات النصوص الشعرية تختلف تماما عن ترجمة الكتب العلمية ففي الكتب العلمية لابد أن ينقل المترجم النص بكل دقة بينما في النصوص الأدبية والشعرية فإن للمترجم القدير بالطبع أن ينقل روح النص وجوهره حتى وإن قام بتعديل أو حذف أو إضافة ما يتيح للنص أن يخرج على الوجه الأمثل والأكمل في اللغة التي نقل إليها ..

 

 

*9*يطيب للبعض اتهام الشعراء والأدباء بتغيبهم عن الواقع الثقافي عن سبق إصرار وترصد  مما جعل العمل الثقافي مصابا بالعرج وأن الأدباء العرب وبعض أصحاب الوعي القاصر يربطون النتائج  التي آلت إليها الثقافة العربية بغير أسبابها الحقيقية فما هي في رأيك الأسباب الحقيقية خلف ذلك؟؟

 

ـ الثقافة هي جزء لا يتجزأ من مقومات أي أمة وبالتالي فإن الأمة الناهضة فيها بطبيعة الحال ثقافة مستنيرة ومتقدمة أما الأمة التي تعاني من الفوضى في مختلف المجالات والميادين فلا بد أن تتحول ثقافتها إلى شظايا متناثرة لا يجمعها شيء، وهذا ما ينطبق على ثقافتنا العربية. فهناك مثلا كتب تباع بأعداد هائلة رغم أنها كتب شعوذة وخرافات، وهناك في المقابل كتب جادة تحقق مبيعات لا بأس بها فالأمر يتعلق كما قلت بالفوضى التي نحياها جميعا ..

 

 

*10* عبر الحوار والاختصام والجدل تتضح الرؤى الثقافية التي تهدف إلى فهم الآخر والوقوف على كل ما يحيط به وهذا ما لمسناه من خلال كتاباتك عن الارتقاء بالحوار فهل نعتبر هذا مشروعك من خلال صفحة "ثقافة وأدب" التي تشرف عليها في جريدة الراية القطرية؟؟

 

ـ إلى جانب صفحة ثقافة وأدب هناك صفحتان اعتقد أن لهما جمهورا كبيرا وهما صفحة إبداعات شعرية وصفحة إبداعات قصصية. ففي إبداعات شعرية أقوم كل أسبوع بنشر قصيدة من روائع الشعر العربي وتقابلها في نفس الصفحة قصيدة أو عدة قصائد قصيرة لشعراء عالميين ممن تمت ترجمة أعمالهم بعضها أو كلها إلى لغتنا العربية من أمثال لوركا وأراجون وميكوفسكي وكافافييس وطاغور وبودلير. وفيما يتعلق بصفحة ثقافة وأدب فإني أحرص أن تكون النماذج الإبداعية والكتابات النقدية من أكثر من دولة عربية حيث أهتم بنشر إبداعات لشعراء مشارقة ومغاربة على قدم المساواة. هذا ما أقوم به ولكن ليس من حقي أن أحكم له أو عليه حتى لا أتهم باني أجامل نفسي أو أتحامل عليها ..

 

 

*11* ترجمت قصائدكم إلى الإنجليزية والإسبانية والفارسية والروسية، فكيف تقررون -بوصفكم كاتب تلك القصائد أولاً، ثم بوصفكم شاعراً وناقداً ثانياً- ما إذا كانت تلك الترجمات تنقل روح قصائدكم وما تحويه من صور وبيان؟!

 

ـ  بكل وضوح، لا أستطيع أن أقرر ما إذا كانت تلك الترجمات تنقل روح قصائدي بصورة دقيقة أم لا.. وذلك لسبب بسيط ومنطقي، هو أنني لا أعرف من اللغات التي ترجمت إليها تلك القصائد سوى عبارات التحية والمجاملة، باستثناء اللغة الإنجليزية، وأعتقد أن مقولة "فاقد الشيء لا يعطيه" تنطبق هنا على حالتي، لأني لا أعرف اللغات الإسبانية والفارسية والروسية معرفة حقيقية تتيح لي أن أدلي برأي محدد، ولهذا فإن العارفين والمختصين هم وحدهم الذين يحق لهم أن يجيبوا على هذا السؤال.

 

 

*12 * نتردد كثيراً بين مقولتين: الأولى مفادها أن الشعر ديوان العرب، والثانية: واقعنا العربي المعاصر واقع السرديات.. أين يقف الشاعر حسن توفيق؟ ولماذا؟

 

ـ  في الأمور العلمية الخالصة والبحتة تستطيع نظرية جديدة أن تلغي أو أن تقوم بتعديل نظريات سابقة عليها، أما في الأمور الإنسانية، فإن ظاهرة أدبية أو فنية قد تطغى على سواها في مرحلة من المراحل، لكنها لا تستطيع أن تلغي سواها، بل إنها قد تتأقلم بالتدريج لتتعايش مع ما سبقها من ظواهر على ضوء مدى استجابة الساحة الأدبية والفنية لها .. لهذا أقول -بمنتهى البساطة- إن "الشعر ديوان العرب" مقولة دقيقة وواقعية في زمانها، فقد كان الشعر العربي -منذ ما قبل ظهور الإسلام- هو الفن الأدبي الوحيد لدى العرب، وظل الأمر كذلك حتى عصر النهضة الأدبية العربية الحديثة، حين تعرف أدباؤنا الرواد الكبار على فنون الرواية والقصة القصيرة والمسرحية، من الآداب الأوروبية بصورة عامة، ومن الإنجليزية والفرنسية والروسية بصورة خاصة، واستحدثوا في الأدب العربي نماذج رائدة في تلك الفنون، أصبحت تزاحم فن الشعر، لكنها لم تستطع أن تلغيه، كما أن الشعر نفسه لم يستطع أن يزيحها عن الساحة، ومع هذا فلا بد من القول إن واقعنا العربي المعاصر واقع سرديات، والسبب في هذا ليس راجعاً إلى الشعر في حد ذاته، وإنما يرجع إلى ما قام به شعراء عرب كثيرون، حيث حفر هؤلاء هاوية كبيرة بل كبرى بين الشعر والجمهور المتلقي، نتيجة لإسرافهم في الغموض من جهة، واستيحاء أو استيراد بعضهم لنماذج من الشعر الأوروبي المسرف في رمزيته وغموضه من جهة ثانية، وكلها أمور أسهمت في انصراف أعداد كبيرة من متذوقي الشعر عنه، وبدلا من الاهتمام بدراستها ومعالجتها فإن بعض هؤلاء الشعراء يقولون بنوع من التعالي إنهم غير مهتمين بالجمهور الحالي، لأنهم يكتبون للأجيال القادمة، والسؤال الذي أطرحه أو يطرحه سواي على هؤلاء إذا كنتم لا تستطيعون أن تتواصلوا أو تتفاعلوا مع أبناء الجيل العربي الماثل أمامكم، فكيف تتصورون أنكم ستتفاعلون مع أجيال عربية لم يقدر لها أن تأتي بعد؟! وغير هؤلاء، هناك من يتصورون أن التعبير التجريدي عن قضايا غير ملحة في أرضنا العربية هو الذي يحقق لهم أن يصبحوا شعراء عالميين، وهؤلاء ينسون بالطبع أن الكاتب العالمي -أياً كان- لا بد أن ينطلق أولا من بيئته الخاصة وواقعه الذي يعايشه، وليس أن يعبر عما لا يحسه وما لا يشعر به، فأمثال هؤلاء يمكن أن يرد عليهم الآخرون، مرددين معنى مقولتنا العربية القديمة "هذه بضاعتنا.. رُدَّت إلينا"!! أما أين أقف أنا؟ ولماذا؟ فإني أقف -بصورة عامة- مع الإبداع العربي الأصيل، بصرف النظر عن الزمان الذي أنتج خلاله، وبصرف النظر عن لون هذا الإبداع، ولهذا فإني متحمس كل الحماسة لمحمود درويش الذي أعتبره شاعراً عربياً عالمياً عظيماً، ولست أستطيع الوقوف إلى جانب شاعر آخر، كل همه أن يطوف المدن الأوروبية باستمرار، لكي يعرض بضاعته المطعمة بالكثير من البضاعة الغربية، عساه أن يحظى بجائزة نوبل في الآداب، كما أقف -بكل حب وتقدير- مع كثيرين من روائيينا العرب الذين يصورون واقعنا العربي بكل ما فيه من متناقضات ومفارقات، وأقف متفرجا أو ساخرا أحياناً من روائيينا العرب الذين يكتبون بالفرنسية أو الإنجليزية أعمالاً روائية يتصورون أنهم يرضون بها القارئ الأوروبي، حيث يكتبون عن "حريم الشرق" وعن "الختان" وعن "اضطهاد المرأة" وعن "الاستبداد الشرقي". وبالطبع فإن كلامي هذا لا ينسحب على الجميع، فأنا -مثلاً- معجب أشد الإعجاب بأمين معلوف الذي يكتب بالفرنسية عن جذوره العربية-اللبنانية، كما يكتب عن علاقات الصراع التاريخي بين الشرق والغرب، دون أن ينحاز إلا إلى فنه الجميل ورؤيته الخاصة حتى لو اتفقنا أو اختلفنا مع هذه الرؤية.

 

 

*13* ما الدور الذي يمكن أن يقوم به الشعر في التعارف بين الثقافات؟؟

 

- كل فن أصيل، وليس الشعر وحده، يتوجه إلى الإنسان، أياً كان هذا الإنسان، حتى وإن كان هذا الفن وليد ثقافة معينة، ففي جوهر كل ثقافة عناصر إنسانية مشتركة تشيد جسوراً من التلاقي بينها وبين سواها من الثقافات الأخرى، وحتى حين يبدع الشعراء -مثلاً- قصائد يحضون بها مواطنيهم على التصدي للغزاة والمستعمرين الذين يريدون احتلال أوطانهم، فإن في هذه القصائد عناصر إنسانية، وإن كانت تبدو خافية في الأعماق، إذ يكفي أنها تشيد بقيمة "العدل" وتواجه "الظلم" الماثل نتيجة عدوان المتجبرين الأقوياء على من يتصورون أنهم ضعفاء .. وفي هذا السياق يهمني أن أشير إلى ما قاله أستاذي الشاعر العظيم صلاح عبد الصبور في كتابه "حياتي في الشعر" حيث قال: "لا يخدم الفن المجتمع، ولكنه يخدم الإنسان".

 

 

*14* ما هي الأنشطة التي نظمتموها أو شاركتم فيها والتي ساهمت في التعارف بين الشعوب المختلفة ؟؟

 

ـ فيما يتعلق بالأنشطة التي نظمتها أو شاركت فيها، وأسهمت في التعارف بين الشعوب المختلفة، فإني أعود إلى القول إن عطائي الشعري والنثري يتوجه حقاً إلى الإنسان بمعناه العام، ولكن دون أن أنسى أني إنسان عربي، ومن حقه ومن واجبه في آن واحد أن يواكب طموحات أمته العربية، وأن يحزن إذا انكسرت تلك الطموحات، ويفرح إذا أتيح لها أن تتجسد واقعاً ملموساً، وبعد هذا فإني لا بد أن أشير إلى المهرجانات والملتقيات الأدبية وإلى الرحلات العديدة التي أسهمت في التعرف على ثقافات شعوب مختلفة وفي التعريف بالثقافة العربية في حدود قدرتي وإمكانياتي، وأشير هنا على سبيل المثال إلى رحلة لم تستغرق سوى أسبوعين، لكنها كانت مفيدة وممتعة ومثمرة، حيث توجهت إلى اليابان في سبتمبر - أيلول 1998، وأتيح لي خلال تلك الرحلة أن ألتقي مع كثيرين من الشعراء اليابانيين وأن أرصد العديد من أوجه النشاط الإنساني عبر مدن يابانية عديدة، من بينها طوكيو وهيروشيما وكيوتو -العاصمة القديمة لليابان- وقد كتبت عن هذه الرحلة، وأسعدني أن كل ما كتبته عنها قد تمت ترجمته إلى اللغة اليابانية التي لا أعرف حرفاً واحداً منها بطبيعة الحال. كما أنني انطلقت مع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري إلى إيران سنة 2000 للمشاركة في ملتقى سعدي الشيرازي، وانطلقت مع نفس المؤسسة إلى باريس، حيث شاركت في دورة لامرتين وأحمد شوقي سنة 2006 وخلال تلك الدورة صدرت ترجمات بالإنجليزية والفرنسية لشعراء عرب كثيرين، كنت واحداً منهم، كما صدرت ترجمات بلغتنا العربية لقصائد ألفونس لامرتين، فضلاً عن ترجمة كتابه الضخم والممتع "رحلة إلى الشرق".

 

 

*15*ما هو واقع ترجمة الشعر من العربية وإليها في الوقت الراهن؟

 

ــ  ألمس جهوداً مخلصة حقاً، لكنها -بكل أسف- جهود فردية، تفتقر إلى الكثير من أوجه التناغم والتنسيق فيما بينها، وهذا ما يكرر هذه الجهود دون أن تكون هناك حاجة لتكرارها .. لماذا -على سبيل المثال- تترجم روايات عالمية إلى لغتنا العربية، دون أن يدرك مترجموها أن آخرين سواهم سبق أن ترجموها؟ المسألة ليست مباراة في كرة القدم، وإنما هي جهود تحتاج -كما قلت- للتناغم والتنسيق، وهذا الذي أقوله عن الرواية، ينطبق كذلك على الشعر .. وعلينا هنا أن نسأل: لماذا قام مترجمون عرب عديدون بترجمة قصائد الشاعر العظيم ت. س. إليوت عدة مرات، بينما لم يترجموا شيئاً يذكر من قصائد شعراء جيل إليوت أو الأجيال التالية من أمثال ستيفن سبندر وأودن ولوي ماكنيس؟!

 

 

*16* اشتهر كثير من الشعراء بألقاب طغت على أسمائهم مثل حافظ إبراهيم -"شاعر النيل" وخليل مطران - "شاعر القطرين" وأحمد شوقي -"أمير الشعراء" فهل يجوز لنا القول إن الشاعر حسن توفيق حامل لقب "مجنون العرب" راضٍ عن هذا اللقب؟.. ألا تشكل هذه الألقاب التباساً على المتلقي؟

 

ـ  لا أعتقد أن هذه الألقاب التي اقترنت ببعض شعرائنا العرب -من قدامى ومعاصرين- قد طغت على أسمائهم الحقيقية، خاصة أنها لم تظهر مع بداية ظهور أي شاعر منهم على الساحة الأدبية العربية، وأعتقد أن لكل لقب من تلك الألقاب دلالته الخاصة التي تكسبه معناه، فهي ليست من طراز الألقاب التي تطلقها بعض ممثلات السينما والمطربات على أنفسهن، مثل "معبودة الجماهير"، و"سلطانة الطرب" وسواهما .. وفيما يتعلق بمجنون العرب، فإنه يقترن باسمي في أحيان كثيرة، لكني اندهشت واستغربت حين وجدت موقع "جوجل" على الإنترنت يتعامل معه باعتباره شخصية مستقلة تماماً عني، وهذا ما أسعده هو بالطبع، لكنه أغاظني، لأني وجدت في سعادته ما يشير إلى أن لديه نزعة انفصالية، وعلى أي حال، فإنني أتمنى ألا يقرأ هذه السطور حينما يتابع هذا الحوار عندما يتم نشره فيما بعد!

 

 

*17* كيف نفرق بين التجربة الشعرية في كل من المغرب العربي والمشرق العربي، وهل هناك روافد مشتركة أم أن المسافة واختلاف الثقافات شكلا حاجزاً فيما بينهما؟

 

ـ أتصور أولاً أن هناك فارقاً بين الإبداع الروائي في كل من جناحيْ أمتنا العربية، لأن البيئات المحلية تبدو متنوعة، فضلاً عن أن الروافد ذاتها مختلفة، وعلى سبيل المثال فإن نموذج الرواية الفرنسية قد أثر بصورة واضحة على كثيرين من الروائيين في دول المغرب العربي، بينما نجد نموذج الرواية الروسية والإنجليزية هو الذي أثر على كثيرين من الروائيين المشارقة. ويختلف الحال فيما يتعلق بالإبداع الشعري، فالروافد -عند المغاربة والمشارقة- تكاد تكون موحدة أو شبه موحدة، لأن التراث الشعري العربي يوغل في الزمان إلى أكثر من خمسة عشر قرناً، ويحرص الشعراء -مغاربة ومشارقة- على الاقتراب من هذا التراث، خاصة في بداياتهم المبكرة، وقد يفترقون فيما بعد. وفيما يتعلق بالبعد الجغرافي، فإنه لم يستطع أن يلغي الوجدان الموحد أو شبه الموحد، لكننا نحتاج بالطبع إلى تواصل جاد وحقيقي، وهو ما لا تقدر الجهود الفردية وحدها أن تحققه، والغريب أن التواصل الجاد والحقيقي كان متحققاً في أزمنة صعوبة التنقل أيام الدولة الأموية والخلافة العباسية والحضارة الأندلسية!

 

 

*18* مَنْ مِن الشعراء الأوروبيين -سواء أكانوا شرقيين أم غربيين- له نفس الروح الانفتاحية على الآخر والتي تتمتع بها وهل من الممكن  ذكر إحدى قصائده؟

 

ـ  أتصور أن كل شاعر أصيل يتوجه بعطائه إلى الإنسان، أينما كان، أما ما يعوقه لكي يتوجه لكل الناس فإنه يتمثل في اللغة التي يكتب بها هذا الشاعر أو ذاك، والترجمة -مهما تكن جودتها ودقتها- لا تستطيع أن تقدم جوهر ما يكتبه الشاعر إلى القراء الذين لا يعرفون اللغة التي يكتب بها. ولهذا السبب فإني أشعر بانتماء عميق إلى شعراء كبار لا من أوروبا الشرقية أو الغربية فحسب، وإنما إلى شعراء كبار كثيرين ينتمون إلى مختلف القارات، وعلى سبيل المثال فإني أعشق رابندرانات طاغور - الهندي وفلاديمير مايكوفسكي - السوفييتي وت. س. إليوت الأمريكي ولوي أراجون صاحب "إلزا" و"عيون إلزا" و"مجنون إلزا" - وهو فرنسي، ومعه من فرنسا أعشق بول أيلوار وجاك بريفير، كما أعشق تاراس شفتشنكو - الأوكراني، وناظم حكمت - التركي...

 

 

الآن جاء "مجنون العرب" وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، وهو يقول بلهجة جادة، بل حادة: ألم تفرغ بعد من إجاباتك على أسئلة المنتمين إلى "عتيدة" من العاقلات والعقلاء؟

 

قلت بهدوء للمجنون.. هناك أسئلة رأيت أن أتهرب منها، والسبب أن الحوار -كما أعتقد- قد طال، بينما خير الكلام ما قلَّ ودلَّ .. وعلى أي حال لم يبق لي الآن سوى أن أختتم هذه الإجابات مجتمعة بقصيدة قصيرة، أحبها وأحفظها، وهي للشاعر التركي العظيم ناظم حكمت، وكان الدكتور علي سعد قد قام بترجمتها سنة 1952، وهذا نصها:

 

إن أجمل البحار

هو ذلك الذي لم نذهب إليه بعد.

وأجمل الأطفال

من لم يكبر بعد.

وأجمل أيامنا

لم نعشها بعد.

وأجمل ما أود أن أقوله لك

لم أقله بعد.

 

أجرى الحوار: ثريا نافع