#خالد_جمعة
كمال أبو وعر، ماذا خطر لك في الثانية الأخيرة قبل أن تموت؟
***
قاعة من ضبابٍ تلوح أمام عينيك، وجه أمك التي عاشت على الأمل، وأصدقاؤك الذين يتحدثون في سهراتهم عن شكل عينيك الذي كان يحرجهم حين يعشقون، وكل ذلك لم يأت بأي نبأ جديد على الحارة التي نبت فيها ضلعك الناري: كمال أبو وعر مات، هل سمعت الخبر؟ نعم سمعت، لكننا نقول: كمال أبو وعر استشهد، فحسّن ملافظك، لا تقل مات.
حسنا، لن أقول مات، لكنه مات في الحقيقة، أو استشهد كما تقول، خلف قضبان الحديد تلك، استشهد وهو يحلم، حلمه كان ساذجا وطويلا مثل فيلم أمريكي على رأي زياد رحباني، حلم يشكله الوهم، بأن جماهير لا يحصيها العدُّ ستخرج حاملةً صورا وشعارات كثيرة تنادي الله والعالم ومجلس الأمن، بأن هناك أسيراً يشبه ممثلي هوليوود سيموت قريبا، والأمنية أن يموت بين أهله لا أكثر، وأشكال كثيرة للمستقبلين ولخضوع الجلاد لرمزية الموت، لكن لا شيء من هذا حدث، لأن لا شيء من هذا حدث من قبل، فماذا يعني موت مناضل لمجموعة جلادين، لا شيء طبعا، لا تهتموا كثيرا فالفلسطينيون يطيرون ثم يهبطون على لا شيء، هكذا قال مستوطنٌ لمخابرات جيشه حين أبدوا خوفهم مما سيحدث.
كمال، هل تسمع دعاءنا؟ لماذا هذه السخرية على وجهك؟ كل فقدان الثقة هذا من علمك إياه؟ انتظر قليلا، سترى ما سنقوم به من إجراءات، أنت الذي متَّ مبكرا ولم تنتظر، فلماذا تلومنا؟ كان عليك أن تؤجل موتك قليلا كي ترى ما نعده لك من ثورة، لكنك أهوج ومتسرع، لم تنتظر، فأفسدت كل مخططاتنا، يا لك من ولد سيء الخلق، أين سنذهب بكل الشعارات التي أعددناها إذن؟
لا تقل لي إن سرطان حنجرتك يمنعك من الكلام، فهذا ليس مبررا كافيا، فمن المفروض أنك أقوى من "سوبر مان"، وأخف من "سبايدر مان"، وأقوى من "رامبو"، هكذا كان من المفروض أن تكون، وإن لم تكن كذلك فهذه مشكلتك أنت، وليست مشكلتنا، فعليك أن تكون كما نراك، وليس كما أنت في الحقيقة، فكيف يكون المناضل شبيها بنا؟
نحن العاديون الذين نأكل ونشرب وننام ونناقش الانتخابات الأمريكية، وصحة الأحاديث وعلم الجرح والتعديل، أما المناضلون، فهم طينة أخرى، مبنية من صخر وفولاذ، لا تمرض ولا تموت، لا تغني ولا تحلم، فإذا حلمت أو مرضت أو متّ، فأنت تكسر صورة المناضل في أرواحنا، فكيف نغفر لك ذلك؟.
في الثانية الأخيرة قبل أن تموت، هل خطر لك أن الوقت تغير، وأن النضال تغير، وأن فلسطين تغيرت، وأن الحب تغير، وأن المناضلين تغيروا؟ إذن إذهب إلى قبرك باسماً أنك لم تمت بعد عشرين عاماً، فوقتها، سيكون الخبر ذاته قد تغير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق